اول معلمة وناظرة بتاريخ دولة الكويت مريم عبد الملك الصالح المبيض.
بقلم : أبرار أحمد ملك
متابعة : محمود عوني
اليوم نتوقف عند مسيرة وسيرة عطرة لشخصية نسائية كويتية فذة ، رائدة الحركة التربوية الكويتية ، نموذج رائع ومشرف لأبناء اليوم للإقتداء بهذه السيدة الجليلة ، وكم أشكر الباري بأني في بداية الأمر عرفتها كأحد رواد بلادي درست مقرر عنها وأنا في المرحلة المتوسطة ومن ثم جمعني بها القدر للعمل الذي يرى النور إلا إن العلاقة بيننا توطد وإلي يومنا هذا ، اليوم أقف معكم لنطلع في مسيرتها وسيرتها لقد شاهد شهر أكتوبر من عام 1926 / م ميلاد الابنة البارة مريم ، ذلك الشهر الذي يعود به ” الغواويص ” من الرحلة ، وقبل أن تكمل الأربعين يوما من ولادتها ” أيام النفاس ” ، أخبرتها والدتها – رحمها الله تعايى – بأنها قد خرجت لاستقبال الغواويص لأنه كيوم العيد وأكثر فبهذا اليوم يخرج الجميع لاستقبالهم ، فلقد عادوا لوطنهم من رحلة سفر شاقة بسبب البحث عن الرزق فهم يخاطرن بأرواحهم بتنقلهم من قاع إلى قاع البحر ويتعرضن للأسماك بكافة أنواعها تلك الأسماك الكبيرة الفتاكة باحثين عن الصدف اللؤلؤ الذي يعود عليهم بالرزق ويتم استقبالهم بإطلاق المدافع من قبل الحكومة معلنين عن وصولهم وأيضا بالغناء والضرب على الدفوف والزغاريد يكون استقبالهم ، هي الأنثى الصغيرة بين خمسة ذكور ثلاثة قبلها واثنين بعدها تصفها لنا والدتها – رحمها الله تعالي – ، بأنها ذات شخصية هادئة الطبع منذ صغرها وهي فعلا كذلك إلي يومنا هذا ومريحة في تربيتها ختمت ” القرآن الكريم ” في بداية عمرها وتعلمت ” خياطة البرودري – أي التطريز المخرم ” ، حيث كان سائدا آنذاك والإقبال عليه كثير وتقول إن من أنواعه ” تطريز الدشاديش ” لنساء الفساتين والقيام بتطريز المفارش – النشرات – للفرش في يومنا هذا يسمي بالكبرات وأيضا غطاء السلاسل والصناديق والمقاعد الذي يعود عليهم بالرزق زغن هذا العمل من باب المساعدة لوالدها علي المعيشة ، وكانت والدتها تقوم بتعليم العديد من بنات الحي على فن التطريز ومن بينهم بنات ” السيد / خلف ، الحمد ، شمة الجليب وأخريات ” ، ووالدها كان ملما بكافة الأمور حيث درس في الهند وهناك كان لابد من الاعتماد علي النفس وأجاد أيضا الطبخ ، تزوج والدتها وكانت كأي امرأة من نساء البلاد أمية عمل علي تثقيفها وتعليمها كافة الفنون ، فلقد كانت لديه الغربة الشديدة في القيام بتعليم أهل منزلة وخص بذلك من لديه شغف وتجاوب معه ، عاشت حياتها كأي طفل لعب مع أترابه من بنات الحي وأبنائه وتقول إن الأهم من ذلك إنها تلقت التعليم لدي ” المطوعة ” وتذكر بأن ” جدتها المطوعة / حصة الحنيف ، أطلقت الدولة اسمها مدرسة بالقرين ” إلا أن والدتها أدخلتها لدي ” المطوعة / نورة اليحيى ” خوفا من تدليلها فلا تستفد فبرأيها الدراسة أما ترغيب أو ترهيب ، وقد ختمت ” القرآن الكريم ” بأقل من سنة واحدة ترتيلا وتلاوة وهي ابنة الأربع سنوات فخافت والدتها عليها من العين الحسد ، حيث إنه من النادر أن تختم فتاة بعمرها ” القرآن الكريم ” إن دخلت ” جزء يس ” تزفها بـ ” موكب الخاتمة ” وتركوها لدي المطوعة تعيد قراءة ” القرآن الكريم ” وذلك كي لا تنساه ، وكثيرا ما كانت تحاول أن تشغل وقت فراغها بكل ما هو مفيد فكانت تحاول أن تقرأ بنفسها وتتعلم فهذا ما قد شد ولفت انتباه أبيها الـ ” مربي الجليل / عبد الملك الصالح المبيض ” ، وهو رائد من ” رواد الحركة التربوية ” في دولة الكويت ، فكان قراره بأن يخصص جزء من وقت يوميا لتعليم ابنته بنفسه ، فهو يؤمن بأن الفتاة في المستقبل القريب سيكون لها شأن عظيم في المجتمع وكان يهتم بتعليم أهل بيته خاصتا من يجد في القبول والشغف والرغبة ، واستمر لمدة سنوات يعلمها بنفسه وأكملت التعليم لدي ” الملاية / بدرية بنت مطرة بضعة شهور والملاية / مريم العسكر لبضعة شهور ولم يرى والدها زيادة في مستواها التعليمي لذا كان يدرسها بنفسه ويمنحها الواجبات وتدرس وتراجع ، إلا إنها لم تبقي لفترة طويلة لديها ، وفي عام 1937 / م – 1938 / م ، سنجد بأن ابنة هذا الرجل العظيم تكون ” أول معلمة في تاريخ دولة الكويت وناظرة ” ، فحين ذهابها للـ ” معارف أي دائرة المعارف – آنذاك وزارة التربية ، حاليا ” ، لتواصل التعليم فلم تجد الفصل المناسب مع معلوماتها التي تلقتها من أبيها كانت تعادل ” الصف الخامس ” آنذاك ، فطلب منها بأن تكون ” مدرسة ، للصف التمهيدي أي البستان ” وحينها كانت ” إدارة المعارف ” بحاجة لمدرسة ثالثة لتعليم البنات وقد أحضروا معلمات من بلدان عربية وفوجئوا بمستوي الفتيات الذي ينقسم لثلاثة أقسام فالمستجدات اللاتي لا يعرفن شيء والمستجدات بالتعليم وضعن بالصف التمهيدي أي البستان وأما اللواتي ختمن ” القران الكريم ” لدي ” المطوعة ” إلا إنهن لا يعرفن الكتابة وضعن بالصف الأول والبنات اللواتي تتلمذن لدي الملاية ويعرفن مبادئ والكتابة والحساب أدخلن في الصف الثاني ، حينها تم إجراء اختبار للمتقدمات من الطالبات ولم يجدوا من بينهم من تمتلك المعلومات الكافية غيرها لذا نجحت وطلبوا منها بأن تكون مدرسة وبدورها استصعبت ذلك في البداية نظرا لصغر سنها فهي لم تبلغ العاشرة من عمرها والطالبات كما نعلم بمستويات عمرية مختلفة ، وإن نظام التعليم لدي كل من ” المطوعة والملاية ” يختلف عن ” نظام التعليم الحديث ” وتقول ” لم أرفض هذا العرض لعدم رغبتي بالتدريس بل العكس عندي الرغبة الشديدة ” وقد مارسته لدى ” المطوعة والملاية ” ولكن بسبب المرحلة العمرية لها إلا إنها قبلت أمام تعهد المعلمتين لها بحفظ شخصيتها وتشجيع والدها لها بالدرجة الأولي وتلك الثقة التي منحوها إياها وتعهد المدرستين بمساعدتها حين تعرضها لي أمر يحدث ، بدأت العمل كـ ” معلمة ” منذ عام 1937 / م – 1938 / م ، وعملت أولا بالـ ” مدرسة الوسطي الواقعة بمنزل قريب من الـ ” مدرسة المباركية ” كان مستأجر من ” بيت المانع ” واستمرت لسنتين ليكون الانتقال للـ ” مدرسة القبلية ، منزل / أحمد الخميس ” ومن ثم ” مساعد البدر ” كانت ” إدارة المعارف ” تسعي دوما لاستئجار منزل أكبر ليستوعب عدد الطالبات المتزايد بكثرة فستأجرت ” منزل / سيد خلف النقيب ” ودمجت المدرستين ” الوسطي والقبلية ” فيه واستمرت لعشر سنوات تدرس به وعينت بها ” ناظرة لمدرسة الزهراء ” وهي تعتبر أول مدرسة نموذجية في الأربعينيات ، وتصف أخلاقيات الطالب آنذاك بأنها تختلف عن ما هي عليه اليوم وبلى شك إن الأمر لا ينطبق علي كافة الطلاب وتقول بأن المعلم له الاحترام والتقدير من كافة أفراد المجتمع وكان ولي الأمر بنفسه يوصي المعلم على أبناءه وكانوا يستشيرون المعلم في أمور عدة وتضرب مثالا علي ذلك بأنها كانت السبب بعودة الكثير من البنات لمواصلة التعليم وتذكر طالباتها بأنهن كانوا ذات أخلاق عالية فحينما يسألوهم كيف تقوم بتعليمكم وهي تصغركم سنا كانوا يجبن بأنه لا حياء بالعلم وولي الأمر حينما يعلم بأن ابنته مشاغبة بعض الشيء أولا تستوعب الدروس بسرعة يقولون لها ” يابنيتي ويا معلمة مريم لك اللحم ولنا العظام ” ، قومي بتعليمها كي تكون معلمة ناجحة مثلك ، وواصلت المهنة التربوية ومضي سبع سنوات وحينما وصلت الفتاة الكويتية لنيل ” أول شهادة تعليمية ” تهيئوها للتدريس وهي شهادة ” دبلوم التربية النسوية ” أقبلت عليها لتنالها في عام 1945 / م ، بالإضافة للمعلومات التي تمتلكها والثقافة والإطلاع ولقد كانت ملمة بقراءة الكتب الدينية والعربية والتاريخية والقصصية وهذا ما قد ساعدها فحينها لم يعرفوا ” الغذاعة والتلفزيون ” فالوسيلة الوحيدة لترفيه والتسلية والتعليم والتثيق هو الكتاب الذي هجره الكثير من ” أمة اقرأ ” ، ودائما كانت تفكر بطريقة الشرح وتوصيل المعلومات للطالبات بطريقة سهلة وسريعة حتى وهي تضع رأسها علي الوسادة لتنام وكم كانت عطوفة على الطالبات لذا نجدها تقوم بأخذهم بوقت الفرص قبل بدأ الدراسة وبعدها لتقوم بالشرح لهن كما نسميها اليوم ” دروس التقوية ” ، هي وزميلاتها المعلمات ، وتتحدث عن وسيلة المواصلات من المنزل للمدرسة فتقول السير علي الأقدام وكانوا يتحملن الحر والغبار الذي يغير لون العباءة والمطر وغيره ، ومن ابرز طالباتها ” د / دلال فيصل الزبن ، أ . دلال المشعان وأختها ، وبنات العصفور ، والنصر الله ، المشاري ، عبد العزيز الراشد ، غنيمة الفارسي ، مريم أبو قريص ، بنات الملا ، بنات الحميضي ، ومضت العشر سنوات ليتم تعينها ” أول ناظرة كويتية – مدرسة الزهراء ” ، وكانت بالوقت نفسه الـ ” وكيلة ، السكرتيرة وأمينة المخزن ” كان ذلك في أواخر الأربعينيات وتقوم بتدريس في الأسبوع 12 حصة دون أي ضجر منها ، وبعد سنتين من تعينها ناظرة تزوجت لتصبح أم لطفلين فاحتاجت أن ترعاهم بنفسها ففي ذلك الوقت لم توجد الشغالات ولا وسائل الراحة من الأجهزة الإلكترونية التي تعين فطلبت من ” إدارة المعارف العودة لمزاولت مهنة التدريس وترك النظارة ” حيث أن ساعات الفراغ تتيح لها الفرصة للعودة للمنزل لترعي أولادها وزوجها ، وبقت تدرس إلى عام 1965 / م ، كبر الأبناء وتطورت الحياة في البلاد وانقلبت الموازين فكل شيء بات متوفرا طلبت منها ” وزارة التربية ” بأن تكسر الحاجز وتزاول العمل في الوزارة بجوار شقيقها الرجل وتكون بهذا فاتحة خير لغيرها وفعلا عملت فيها وكانت من أوائل العاملات فيها فعينت ” موظفة لشؤون الطلبة ، رئيسة قسم أحوال الموظفات ، مراقبة بمكتب السيد الوكيل ” ، خدمة 25 عاما بالتدريس و 15 عاما بالوزارة لتطلب التقاعد عام 1982 / م – 1983 / م ، ولم تتوقف عن العطاء فلقد أسست ” مدرسة جوهرة الصالح الأهلية ” لتمارس بها الإشراف علي التعليم الذي هو كالماء والهواء بالنسبة لها ، وكانت لها مساهمة في ” محو الأمية بالثمانينات – الجمعية الثقافية ، ساهمت بكل المؤتمرات محليا وخارجيا حينما كانت عضو بجمعية النهضة الأسرية والرعاية الإسلامية والثقافية والتطوعية ، إلى أن نالت علي ” شهادة ، الثانوية العامة – المعهد الديني ” التي حصلت عليها بعد تقاعدها عن العمل وكانت ترغب بأن تكمل الدراسة الجامعية إلا أن تلك الظروف التي مرت بها البلاد بسبب الاحتلال العراقي علي دولة الكويت في 2 أغسطس 1990 / م ، وأسر ابنها أعاق ذلك فلقد سخرت وقتها لدعاء والصلاة ، هذه رائدة من رائدات بلادي الكويت .
باحثة ومؤرخة مختصة بشؤون المرأة الكويتية ، مؤسس عام المكتبات الخاصة