كتبت مريم التهامي
أوقات المحنة و الإبتلاء من فقر أو مرض أو فقد .. من منا لا يفزع ، ولا يُصاب بخوف أو يأس ؟ ففي لحظة الألم مهما بلغ يقيننا الإيماني و الروحاني سوف نتألم و نحزن فنحن بشر في وقت الأزمات نتعب أنفسنا تفكيرًا ، نبكي بشدة مفرطة ، ندعو الله كثيراً طالبين عونه .. متمنين أن نغمض أعيننا و نفتحها بعد انتهاء الأزمة ، و لا بأس بذلك في نظري . و يبقى بداخلنا ذلك الشعور القوي بأن ما نحن فيه الآن سينتهي لا محالة و لكن متى ؟ و قد خُلق الإنسان عجولًا ، و كيف لنا أن نصبر على ما لم نحط به خبرًا .
القليلون منا فقط من يستطيعون الصبر ، أولئك الذين يستمعون لذلك الصوت بداخلهم الذي يؤكد على مرور كل صعب ، فالحياة منتهية لا محالة ، فكيف لا ينتهي المر فيها ؟ فكما تنقضي أوقات السعادة و الفرح ستنجلي ظلمة العتمة و الكرب . و لكن هل سينقذنا ذلك الإيمان بإنتهاء البلاء من الحزن لحظة وقوعه ؟
إقرأ المزيد رأي شخص ما فيك ليس بالضرورة يكون واقعك
بكل تأكيد سيثبتنا ذلك الإيمان الراسخ بحكمة الله في قضائه و قدره على الصبر ، لكن ألن نحزن ، ألن نبكي ، ألن نتعب .. لا اعتقد ذلك ، فالصبر و الإيمان ربما ينقذنا من السخط و الغضب ، كذلك بالإيمان سنتقرب إلى الله بالدعاء و الصلاة و قراءة القرآن ، فمن منا لا يريد أن تنجلي المحنة و مازال قويًا ثابتًا على الحق ، فينجح في اختبار الله له و ينال رضاه . لكننا ساعة الكرب نصبح مذبذبين ، تائهين ، لا نفقه شيئاً كأننا ما علمنا ديننا يومًا ، فعندها نعجز عن التفكير ، تذهب عقولنا بعيداً عنا ، تاركة القلب و الروح في حالة فوضى ، تلك الفوضى التي لا سبيل لحلها إلا الدعاء و البكاء و الإستجداء بالله – عز و جل – لتبنى القلوب من جديد على طهارة روحية إلهية .
لحظات المعرفة الأولى في رأيي هي الأسهل فالعقل سيرفض تقبل الأمر ، أما الجسد فسيشعر بالثقل ، في حين يربت الرضى برفق على قلوبنا فما يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، إذن نحن أقوياء للغاية و نستطيع تجاوز الألم .
بعد ذلك تأتي مرحلة الإنهاك من طول استمرار الأزمة و تزايد الألم ، فنغضب بشدة من أسلوب حياة مفروض لا مفر من التعايش معه سواءً استطعنا تقبله أم لا ، عندها يتسلل إلى النفوس الشعور بالعجز و الكآبة و الضياع و التشتت و الغضب فليس هناك باليد حيلة سوى انتظار الفرج ، و تستمر تلك المشاعر بالتغلغل داخلنا فنتبتعد عن الجميع ، كارهين أنفسنا الحالية و ساخطين على الحياة و الناس معتقدين أنه لم يعد هناك من يمنحنا الحب ، فالمحبة متبادلة و لم نعد نحمل شيئًا منها في جعبتنا ، و لا نريد المزيد من الشفقة لأحوالنا ، فننعزل عن من نحب ، بعدها نجد الجميع قد انفضوا من حولنا .
تستمر الأيام في القدوم ، ننهض كل صباح لنحيا ، مازلنا نتنفس ، فمازال في العمر بقية ، و معنى ذلك أنه يمكننا القيام بشئ ما في هذه الدنيا بل مازالت هناك العديد من الأشياء بإنتظارنا لنقوم بها ، و ربما نحن من نستطيع القيام بها دون غيرنا . فنسعى من جديد في الحياة بحب ؛ لنستمتع بها ، لننهض بأنفسنا ، و نحقق نجاحاتنا الخاصة غير المتوقعة بعدما استطعنا التصالح مع النفس عند الوصول للحظة التقبل .
لذلك اعتقد أنه لا بأس من الحزن و البكاء لله وحده فقد خُلقنا بشرًا نشعر فنتألم عند الفقد و نسعد عند العطاء فلولا قيمة الفقد ما علمنا قيمة العطاء ، لكن فلنستمع لصوت اليقين الإيماني بداخلنا بأن كل ما في الحياة سوف يمر ، و ما ذهب إن بقى ما كان أتى ما أتى من بعده .