شعر وحكايات
كواليس في الحب ” المقتطف الرابع”
من القاتل إذاً؟؟ نطق المحقق اتهامه مجدداً، ضارباً بيده على الطاولة، موجهاً لي نظرات كادت تنطق كان عليكِ الموت معه).
ابتسمتُ بوجهه : غدي لم يمت.
ترك كرسيه وبدأ بالمشي حولي، كان يفرُك يديه بتوتر، وقف خلفي اقترب مني حتى كدتُ أسمعُ أنفاسه.. رأسه خلف رأسي تماما، وفمهُ يلمس أذني ناطقاً بهمس غدي عبد المنعم لم ينتحر، غدي عبد المنعم دُفِعَ من النافذة، أنا وأنت نعلمُ هذا جيداً، ونعلمُ أيضاً بأنك سليمة و قاتلة).
انتفض مجدداً مبتعداً عني ليرتفع صوته : إذاً لماذا دفعتي به من النافذة؟
_ غدي يجلس أمامي في غرفة التحقيق، ينظر للقيود التي في معصمي، يبتسم بحنانٍ باهت فأردُ عليه بابتسامةٍ سريعة.
يمسحُ على رأسي : امسحي دموعكِ.
فأصرخُ: أبعده عني.. أبعد يداهُ عني.
ايمان في غرفة المشفى : نوبة جديدة.
المحقق : لا أُصدقها.
قبل ثلاث سنوات…
هربت معه…. كنت على أتم الاستعداد للزواج بهذا الرجل الفقير… ماكان فقرنا سوى طوق نجاة يُكلل الحب… ولم أفكر يوماً بانتقالي من حالة اجتماعية لنقل متوسطة لحالة اجتماعية فقيرة جدا ..
بل على العكس تماما كنت سعيدة….
ولا انكر… ضحكات عائلتي باتت حزنا في طريقي… ليس من السهل الابتعاد عنهم… كنت دائما اواسي مصابي بقول.. ربما يسامحونني يوما و يحتضنون طفلي الذي سأرزق به إن شاء الله…
يردد غدي على مسمعي كلما زارني الشوق بأنه معي… ولن يترك يدي مهما حدث….
بعد سنة من زواجنا..
بدأ اسم غدي عبد المنعم يكبر في البلاد…. طُلِبت أعماله التي تُجسد متلازمة داون لأعمال تلفزيونية…. ثم أصبح غدي صاحب أكبر مدرسة في البلاد العربية الداعمة لمرضى متلازمة داون… لنقل أصبح المُمثل الرسمي لحقوقهم.
ماعاد غدي ذاك الرجل الفقير الذي يعمل ليلا و نهارا ليحصد لقمة عيشنا…
وماعادت هديةُ عيد مولدي قطعة صغيرة من الحلوى وماعادت شمعة واحدة تزينها….
وذاك الخاتم الأنتيكي في أصبعي أُستبدل بمجهورات ثقيلة… منزلنا الصغير الذي انتقلنا للعيش به المؤلف من غرفة واحدة تحوي فراشا و أريكة… ماعاد كذلك..
ماعاد يمتلك دراجة نارية و ماعدت أضحك على تذمره من عطلها المتكرر.
ماعدت أسمع مشاكل جارتي علياء في كل صباح و صوت سعاد التي تتذمر من القمامة التي تملأ حينا الشعبي دون مراقبة لهذا….
ماعدت اساسا أقطن بهذا الحي…
غدي عبد المنعم أصبح يحتفل بعيد مولدي في مطعم فخم… ولنقل الصحافة جميعها تحتفل بعيد مولدي ولربما البلاد العربية بأكملها.
ماعدت أضحك على تذمره من دراجته تلك التي هربنا عليها يوماً… حقيقة ماعدت أدري أين هي ربما دفنها مع فقره في ذلك الحي…
ماعدنا نمتلك غرفة بل أصبح قصراً….
وماعدت أنام على صوته وهو يروي لي حكاية ذاك البطل الذي جسد عمله الأول … قائلا بأنني قارئته الوحيدة
بل استبدلني بالبلاد العربية بأكملها… قُراءٌ كثر… و معجبين كثر….
ماعدت انا فقط من أصفق له… كلما انتهى من عمل… بل باتت البلاد بأكملها تصفق له….
ياترى إلى أين قد يحملنا هذا؟
هل كان الفقر طوق نجاة؟ نوار لقمان بلال
يتبع
أقرأ المقتطف السابق كواليس في الحب ” المقتطف الثالث
“كواليس في الحب ” المقتطف الثاني
كواليس في الحُب… المقتطف الأول