تزايدت نسب ارتكاب جريمة الابتزاز الالكتروني والتشهير في الآونة الأخيرة لاسيما في العراق كون ان هذه الجريمة تتمتع بخصوصية تختلف عن بقية الجرائم التقليدية في وسائل وطرق تنفيذها، الأمر الذي أدى إلى انعكاس هذه الخصوصية على مضمون القوانين الحالية حتى تتماشى مع طبيعة الجريمة ومعطياتها وآثارها والعقوبات المقررة إزاء ارتكابها، فجريمة الابتزاز الالكتروني هي إحدى صور الجرائم الالكترونية وأكثرها خطرا وضررا كونها من الجرائم التي تقع على الأفراد والتي تمس حياتهم الخاصة واستقرارهم.
يستخدم مصطلح الالكترونية لوصف فكرة أن الجريمة تتم من خلال استعمال وسائل التقنية الالكترونية والتكنولوجيا الحديثة وان يكون الجاني على قدر كبير من الخبرة والمعرفة في توظيف هذه التكنولوجيا لارتكاب أفعال يجرمها القانون ويعاقب عليها وترتكب بدون علم المجنى عليه وتعتبر جريمة الابتزاز الالكتروني من الجرائم الماسة بحياة الأفراد أو المجموعات بقصد استهدافهم والايقاع بهم وايذائهم ماديا أو نفسيا بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال شبكات الاتصال والانترنت وتطبيقاتها مثل البريد الالكتروني ،مواقع التواصل الاجتماعي، برامج المحادثات والدردشة،وبواسطة الهواتف المحمولة او أجهزة الحاسب الآلي.
ربما يكون الدخول للأجهزة الالكترونية وتشغيلها واستعراض محتوياتها بطريقة مشروعة وموافقة صاحبها واذنه كما في حالة ايداعه لدى مختصو وفنيو بعض ورش تصليح الأجهزة الالكترونية وتكون هذه الورش غير معتمدة وغير مرخصة رسميا او قانونيا وهنالك وسيلة أخرى للاختراق من خلال إعطاء هذه الأجهزة للغير على سبيل الاستعمال والاعارة المؤقتة وبحسن نية فيقوم الجاني في كلا الحالتين بإرسال او الاحتفاظ بنسخ من البيانات لنفسه لتحقيق أغراضه الاجرامي وقد يكون من خلال فتح بعض الثغرات في لوحة الاعدادات التي تتيح له الدخول إلى الجهاز وسرقة المحتويات والبيانات والمواد الشخصية كان تكون صور او مقاطع فيديو سواء كانت صحيحة او يقوم بفبركتها ولكنها تستند إلى اساس صحيح.
ويكون كذلك الدخول غير مشروع لهذه الأجهزة من خلال سرقة وتغيير محتوياتها من خلال استخدام البرامج المجانية المغرية وبعض التطبيقات غير المرخصة او من قبل بعض ضعاف النفوس من مزودي خدمة الانترنت غير المرخصين رسميا وقانونيا عبر بروتوكولات الانترنت (Internet protocol – Ip) واستغلال بعض الثغرات التي تضعها الشركات المنتجة في قائمة الاعدادات الخاصة بالأجهزة.
تتعدد الفئات المستهدفة من خلال الجرائم الإلكترونية وتتميز بالإضافة إلى تنوع اهتماماتهم وطبيعة شخوصهم والظروف الاجتماعية والنفسية والاقتصادية المحيطة بهم وقابلية التأثير في نفوسهم بأهم ميزة الا وهي قلة خبرتهم ودرايتهم الفنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبرمجيات والتطبيقات، فقد يستهدف الأطفال نظرا لصغر سنهم وقلة خبرتهم وسهولة التأثير فيهم والتغرير بهم و ذلك من خلال تقديم الجاني لبعض العروض والمغريات لهم للقيام بعمل او الامتناع عن القيام به وهو الهدف الرئيسي الذي يسعى الجاني إلى تحقيقه والطريق الامثل له في ابتزاز وتهديد المجنى عليهم بإيقاع الضرر والاذى بهم اذا لم يمتثلوا ويخضعوا لا أوامره ويحققوا رغباته ويكون التهديد من خلال نشر صور خادشه للحياء أو تسجيلات صوتية او مرئية أو محادثات نصية سواء كانت صحيحة او مفبركة تعتمد على اساس صحيح عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد يكون المستهدف من النساء حيث يعتبر هذا النوع من اكثر أنواع الابتزاز الالكتروني شهرة وانتشارا من خلال الدعوة إلى إقامة علاقة صداقة بريئة في بادئ الامر تتخذ طابع واهتمام مالي وعملي او مهني او اجتماعي او دراسي او عاطفي لغرض الزواج مستغلا الجاني في ذات الوقت للأوضاع المحيطة بضحيته للتأثير فيها وتحقيق غايته في الإيقاع بها وابتزازها للوصول إلى أهدافه الاجرامية الدنيئة ويكون عبر التهديد والوعيد بنشر صور فاضحة أو محادثات خادشه للحياء سواء كانت هذه المادة صحيحة ام مفبركة سبق وأن تبادلها او حصل عليها من الضحية.
كما قد يكون المستهدف من الرجال عن طريق التغرير به من خلال توجيه دعوات لطلب صداقات نسائية واقامة علاقات غير شرعية وتبادل الصور الشخصية أو مقاطع فيديوية او محادثات نصية خادشة للحياء سبق وأن تبادلها مع الجاني ومن ثم استغلالها والتهديد بنشرها إذا امتنع المجنى عليه من تلبية رغبات الجاني واوامره علما ان اغلب الجناة هم من الرجال منتحلين شخصيات نسائية.
ان من شان نشر هكذا مواد ان تؤدي إلى تشويه سمعه المجنى عليهم والمساس بحيائهم وتهديد استقرارهم واستقرار عوائلهم ومراكزهم الأسرية والاجتماعية حيث تكون دوافع الابتزاز الالكتروني والتشهير إما دوافع مادية أو دوافع لاقامة ممارسات وعلاقات عاطفية لااخلاقية وغير شرعية او لدوافع التسقيطات السياسية كما تعتبر جريمة الابتزاز و التشهير من الجرائم الخطيرة والماسة بحرية الإنسان وحرمته وتشكل تهديدا كبيرا لامن المجتمع وسلامة العلاقات الاجتماعية واستقرارها وربما تؤدي الى التفكك الأسري وحدوث المشاكل والنزاعات الاجتماعية.
بالنظر لعدم إقرار مشروع الجرائم المعلوماتية فان مرتكب جريمة الابتزاز الالكتروني والتشهير يعاقب حاليا بنفس عقوبة القذف في الجرائم العادية ويعد فعل التشهير في وسائل الإعلام ظرفا مشددا للعقوبة وقد نص المشرع في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في الباب الثاني الفصل الرابع تحت عنوان جريمة القذف حيث نصت المادة 433/1 بان القذف هو إسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شانها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت الية او احتقاره عند أهل وطنه و يعاقب من قذف غيرة بالحبس و بالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين و إذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او بإحدى طرق الاعلام الأخرى عد ذلك ظرفا مشددا و لا يقبل من القاذف إقامة الدليل على ما أسنده الا اذا كان القذف موجها الى موظف او مكلف بخدمة عامة او الى شخص ذي صفة نيابة عامة او كان يتولى عملا يتعلق بمصلحة الجمهور و كان ما أسنده القاذف متصلا بوظيفة المقذوف أو عمله فإذا أقام الدليل على كل من أسنده انتفت الجريمة وان جريمة التشهير يترتب عليها النيل من قدر المجنى عليه واعتباره في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه و إن المشرع العراقي اعتبر ارتكاب الجريمة بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او بإحدى طرق الاعلام من الظروف المشددة التي تستوجب تشديد العقوبة باعتبار ارتكاب تلك الجريمة قد حصلت بطريق العلانية و المنصوص عليها في المادة (19) من قانون العقوبات العراقي.
وفي هذا الصدد نرى ونؤكد المطالبة بان يصار إلى إعادة النظر بأحكام عقوبة التشهير المنصوص عليه في المادة 433 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وتشديد العقوبة في هذه الجريمة و خاصة ما يتعلق بأحكام المادة 435 من قانون العقوبات واعتبارها من جرائم الحق العام.
كما ونطالب بضرورة المصادقة على قانون (جرائم المعلوماتية) ونعده مطلباً أساسياً في هذه المرحلة لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة كما يُعتمد في أغلب دول العالم، وبدون تشريع هذا القانون تصبح المعالجات قاصرة وغير رادعة وينبغي تبديد مخاوف الجهات المعترضة على تشريعه بتبرير الخشية من المساس بالحرّيات وخصوصيات الأفراد وهو مأخذ يُمكن تجاوزه في ترصين القانون ومراجعة مواده ودراسته بعناية لتجنيبه الإنزلاق بما يتحفّظ عليه من قبل المعترضين.
ونود الاشارة الى ان قانون جرائم المعلوماتية والذي من المؤمل اقراره مستقبلا يتضمن عقوبات صارمة للمبتزين الكترونيا او كل من يهدد أخر تصل الى العقوبة للسجن لمدة لاتقل عن سبعة اعوام وغرامة مالية على كل من يرتكب فعل الابتزاز او من يهدد اي شخص الكترونيا عبر مواقع التواصل او اي وسيلة الكترونية اخرى.