قراءة في لوحة بقلم/عبير حافظ

هذه اللوحة غنية المعطيات والملامح، فقيرة المضمون؛ ليس فقراً فنياً، بل معنويا كمدلول شامل لمجريات ما خلف الألوان والخطوط.

الأبطال: المرأة، المُكعب، الأرض، الفراغ…

شابة تبدو في العقد الثاني أو الثالث، في أوج إقبالها على الحياة، ومواجهتها أيضا.. توقفت في طريق، حيث وجهة قصدتها.

حافية القدمين.. والقدم العارية دون حذاء بدون داع كوجودها على الشاطئ مثلا، يشير إلى فاقة من نوع ما.. في تفاسير الرؤى: المرأة الحافية تُصنف: (بدون شريك حياة) والتي ترى نفسها تلبس حذاءً جديدا قد ترزق بزوج أو خطيب..

السير بدون حذاء أيضا يستخدم للإسراع وسهولة الحركة..

قد يكون ذلك مجرد اعتقاد تبنيناه منذ الصغر عندما كنا نتسابق أثناء اللعب.

تبدو منهمكة بحملها وطريقها، تريد الوصول لوجهتها بنية مسبقة معقودة بإصرار .

الطريق تم تلوينه باللون الأبيض الثلجي وكأنها تسير على الجليد، مما يعطي ملمحاً لصعوبة السير، وتحمل مشقات وليس مشقة واحدة.

الأرض مصدر الاستقرار، تدعوها للبحث عن الدفء المفقود بالكامل. قدماها مضمومتان دليل على التماس الدفء والتصاق الساق بالساق بحثا عن مساندة حتى لو لدقائق، علها تستطيع شحذ همتها لتواصل من جديد.

زاوية انحناءة الظهر مع استقامة الحمل.. شكلت زاوية قائمة دلالة على إتقانها الدور المنوط بها، ونجاحها رغم المعاناة.. استقامة أعبائها في مقابل انكسارها!

وضع ركوع.. تسليم للرياح كما اشتهت سفينة حياتها.. تلك الوضعية تتم أيضا تعظيمًا لكل ذي سلطة واستكانة قبل السجود الذي مؤكد أنها تتحاشاه لأنه هنا يعني الانهيار التام.

الحِمل فوق ظهرها على شكل مكعب منتظم متوهج بلون ناري أحمر محاط بأسلاك متشابكة بلا انتظام أو ترتيب.. اللون الأحمر له أكثر من دلالة.. هو لون الحيوية والتدفق، وأيضا لون الدماء (قتلا أو كصلة رحم)

اليدان لا تظهران.. بهما تمسك بالمكعب.. هي ممسكة ومتمسكة بكل قوتها بما على عاتقها.. تنظر إلى الأرض، أو تغمض عينيها، لا فرق. تركز على عدم سقوط ما تحمل أكثر من سقوطها.

النظرة المحدودة وكما يقول العامة(بتنظر تحت قدمها) إشارة لبساطتها وعدم امتلاكها نظرة مستقبلية.

الطريق خال من أي عابر. قد تكون داخل حلم.. أو لحظة تخيل لموقف بحاجة لتخطيه، وكأن ريشة الرسام تحولت لكاميرا وقام بتسليط الضوء عليها وأخذ لقطة محددة لتوثيق حدث عارض. البطلة هنا تبحث عن مخرج لعبء ما أمال ظهرها.

اشتعال بعض الشيب بأطراف شعرها على غير العادة، فالشعر ينمو أبيضّ من منبت الراس. دلالة على تجدد الشيب كلما مرت الأيام تتحداها المصائب لتنمو مرة أخرى كزرع شيطاني طال روحها من رأسها حتى أخمص قدمها (الشيب المُبكر أحد أسبابه كثرة الهموم والفزع وتحمل الضغوط)

ترتدي فستانا مهندما نظيفا.. تبدو أنيقة، رقيقة، يراها الناظر (بنت ناس)، زوجة كانت أو امرأة عاملة تتحمل ما كلفت به.

لا أميل في هذه اللوحة تحديدا لتحليل ألوان الفستان لأني أريد اعتباره كالأسماء، ليس من الضروري أن تدل على محتوى الشخصية.

ولكن لو قمنا بذلك فهو خليط بين عدة ألوان: الأحمر الحيوي والأصفر لون البهجة والغيرة أيضا، وهو باهت بعض الشيء إشارة لفقدان الشغف.. تداخل الأشكال غير المنتظمة يوحي للوهلة الأولى أنها رسومات؛ مرة لطفل، ومرة لبنت تجلس القرفصاء شبه عارية..

ظاهرة تكوين الأشكال عند التحديق (وجه باريدوليا).