كتب .احمد عباس ( ابن النيل )
دعا رئيس الجمهورية التونسى السبسى في خطابه الأخير بمناسبة عيد المرأة إلى سحب إجراء يحظّر زواج التونسيات بغير المسلم لأنه يتعارض مع حرية الضمير المنصوص عليها في دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014، “خاصة وأن هذا التصرف لم يعد بدعة باعتبار أن التونسية أصبحت تسافر وتدرس في الخارج وتتزوج بمن تريد”.
كما طالب بوضع مشروع قانون يتيح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة عملاً بمبدأ التطورات والتغييرات الحاصلة في بنية المجتمع واستأنسا بالاجتهاد الذي هو مبدأ ثابت في الاسلام.
أمّا بالنسبة لزواج المسلم بغير المسلمة، فلا يحلّ أن تتزوّج المسلمة بغير المسلم، سواء كان الشخص من أهل الكتاب أم من غيرهم، لأن الزواج في الإسلام ليس عقداً مدنياً كما هو الحال في الغرب، بل هو رابط ديني يقوم على المودة والرحمة بين طرفيه، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم آية 21.
وإذا أباح تعالى الزواج مع اختلاف الدين، لم يبح غير زواج المسلم من الكتابية، كما في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) سورة المائدة آية 5.
والغالبية من العلماء يحتجون بهذا الحكم – تحريم زواج المسلمة بغير مسلم- بقوله عز وجل: (وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، وقال تعالى: (وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) سورة البقرة، آية 221، ثم استثنى سبحانه فقال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) سورة المائدة، آية 5، فأباح زواج المحصنات من أهل الكتاب خاصة، وبقي على زواج المسلمة منهن على التحريم وعلى هذا انعقد الإجماع. وأمّا المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، فهي دعوة تزعم أنها قراءة اجتهادية جديدة تراعي الوقائع والأحداث والتطورات الحاصلة، لكن الحقيقة أنّ الغاية منها هي مراعاة الحقوق التي أعطتها الاتفاقيات الدولية للمرأة ومنها اتفاقية ” سيداو ” ومحاولة تعديل النصوص الشرعية الثابتة كي تتوافق مع هذه الاتفاقيات.
(يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ۚ فَرِيضَةً مِنَ الله ۗ إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أكثر مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ الله ۗ وَالله عَلِيمٌ حَلِيمٌ) سورة النساء، الآيتين 11- 12. وفي قوله سبحانه في نفس السورة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) 175.
– أنّه لا تغيير ولا اجتهاد مع نصوص قطعية ثابتة.
تعد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) بيانا عالميا بحقوق المرأة الإنسانية، إذ تؤكد على ان حقوق المرأة حقوق إنسانية، وتدعو هذه الاتفاقية بصورة شاملة إلى المساواة المطلقة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين، السياسية والاقتصادية، والثقافية والمدنية، وبعد المصادقة عليها تعد ملزمة قانونيا للدول الموقعة بتنفيذ بنودها، وتعتبر من أهم الصكوك الدولية التي تضم مبادئ أساسية تدعو لتمتع المرأة بكافة حقوقها، وان التمييز ضد المرأة يعد إجحافا أساسيا واهانة للكرامة الإنسانية؛ لذا يجب إلغاء كافة القوانين والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة، فهي بمثابة قانون دولي لحماية حقوق المرأة، وعلى الدول الموقعة اتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز بين الرجال والنساء، سواء على مستوى الحياة العامة فيما يتعلق بممارسة جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء أكانت المقاومة على أسس دينية أو أخلاقية أو اجتماعية.
وأما سلبيات الاتفاقية، فمنها أنها تعارض ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على احترام كافة الأشكال الحضارية وكافة نظم الاعتقاد الديني في العالم وان تخرج معاهداته على مستوى الحياة الخاصة وعلى وجه الخصوص من الإطار الأسري، فينبغي على مختلف بلدان العالم التفكير بها والحوار حولها وذلك من خلال انتقال الموضوعات ذات الاهتمام من قائمة أولويات الحضارة الغربية إلى القائمة العامة لأوليات الشعوب باختلاف ثقافاتها،
غير ان اتفاقية السيداو تريد أن تفرض نظرة واحدة للإنسان والكون والحياة وهي النظرة الغربية التي لا تعترف بالقيم الدينية أو الخصوصيات الحضارية فما طرحته الاتفاقية من حقوق وواجبات يغلب عليه سيادة النظرة الغربية والتي تنظر للإنسان باعتباره كائنا ماديا يستمد معياره من القوانين الطبيعية المادية، والتي ترفض وجود تمايز في الخصائص والوظائف بين الرجل والمرأة وتنظر إلى المرأة كفرد مستقل وليس عضوا في أسرة يتكامل فيها الزوجان مما يؤدي إلى تفكيك الأسرة ويعلن حتمية الصراع بين الذكر والأنثى وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكوري الأبوي مما يولد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة عند المرأة، وخلاصة السلبيات من المادة (2) إلى اتخاذ جميع التدابير بما في ذلك التشريع لإبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها، وان تستبدل بها قوانين تؤكد القضاء على هذه الممارسات سواء أكانت صادرة عن أشخاص أو ناتجة عن تقاليد أو أعراف دون استثناء حتى تلك التي تقوم على أساس ديني وهذا مخالفة واضحة وصريحة للشريعة الإسلامية، وبمقتضى هذه القوانين تصبح جميع الأحكام الشرعية، المتعلقة بالنساء لاغية وباطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها فالاتفاقية تنسخ الشريعة.
وأما في المادة (16) والتي تعتبر من اخطر مواد الاتفاقية على الإطلاق لأنها تمثل حزمة من البنود التي تهدد قانون الأحوال الشخصية فهذه المادة تمثل نمط الحياة الغربية فتتجاهل معتقدات شعوب العالم ومنظوماتها القيمة وأنساقها الإيمانية، فهي تتجاهل مسألة الولاية على البنت في اختيار من تراه وتتجاهل ما يفرضه الإسلام على الزوج من تقديم للمهر، وتأثيث منزل الزوجية، والتكفل بالنفقة وغير ذلك، وتتجاهل وضع الأسرة كمؤسسة مكونة من زوجين، وتسمح بان تنسب الولد لامه، وهذا مخالف للإسلام وغير ذلك كثير،
للعلم فإن اتفاقية سيداو هذه قد وافقت عليها تونس بعد الثورة بعد ان كانت تونس رافضة لها ككل البلدان الاسلامية، فقد تم تمرير الموافقة عليها في غفلة من التونسيين من خلال حكومة الغنوشي الاولى ، حيث بادر مجموعة من اليساريين الذين يوجد منهم ستة وزراء بالحكومة وكتاب دولة ساعتها، ومنظمة حقوق الانسان لتقديم هذه الاتفاقية التي كانت تونس متحفظة عليها من قبل، وقدمت تلك الاتفاقيات مع مجموعة من القوانين الاخرى للرئيس المؤقت ووافق عليها ورفع بالتالي تحفظ تونس
ووقع تعتيم اعلامي على هذه الموافقة لما يعلم من رد التونسيين لو تم الكشف عن مثل هذه الاتفاقية للاعلام
قوله تعالى ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( 229 ) ) سوره البقره .
#احمدعباس