بقلم / صفاء القاضي
تعدد مفهوم تطوير الذات لدى علماء النفس والاجتماع بين عدة مفاهيم ومصطلحات لا أعلم مدى وصولها إلى عقل من يحتاجها أو يحاول فهمها .
التطوير هو التغيير للأفضل بأبسط معانيه الممكنة , وعندما يطور الإنسان فهو يبني أو يزيد أو يجمل أو حتى ينظف .
فإذا طورنا المبنى فإننا نبني عليه طوابق جديدة أو نرممه أو نجمله ونزينه أو قد يقتصر التطوير على مجرد نظافته وإضافة بعض الأشياء البسيطة التي تغيره إلى الأفضل .
وهكذا فعندما نطور الذات فإننا إما نبني عليها ثقافات جديدة ومعارف أو قدرات لم تكن لديها وإما أن نجملها ونزينها بأخلاقيات ترتقي ومبادئ تأخذنا نحو الترقي
أو حتى قد يقتصر التطوير على نظافتها من بعض السلبيات والمساوئ الأخلاقية أو المادية أو التصرفات السلبية .
وتطوير الذات قد يكون ملحوظا أو ملموسا وله ردات فعل تتجلى وضوحا لمن حوله ويتلقاها المجتمع بفاعلية
لكن كيف يطور الإنسان ذاته ؟
هل يقتني كتابا بعنوان كيف تطور ذاتك ؟
أم يبحث عن الموضوع في شبكات الإنترنت ؟
وهل هذا يوصله فعلا للهدف ؟
إن الكتب والمقالات ترتب لك وتقنن كيفية تطوير الذات وكأنها عملية ملموسة تؤتي ثمارها
بمجرد اتباع تلك الخطوات مثل :
التطوير الفكري : اقرأ كتابا أو تعلم لغة
التطوير الجسدي : مارس الرياضة بشكل منتظم وغير إسلوب الغذاء إلى الأفضل
التطوير العاطفي : تقبل الذات , نسيان الماضي, تجنب السلبية , بناء أهداف في حياتنا
ومنها عدة نصائح أخرى لذلك التطوير من أمثال اتخاذ مثلا أعلى لنا , التقرب من الصالحين , اتخاذ هدفا والسعي نحوه
إنها نصائح وخطوات تعاملت مع الذات على أنها مادة
وروح , لا أعلم مدى إفادة تلك الخطوات وهل هي فعلا تجدي لدى الأشخاص
وعلى ضوء هذا المفهوم ورغم أنه تشعبت فيه الدراسات وكثر فيه الباحثون والعلماء واتسعت دائرة البحث بانتشار كتبه ورواجها بين فئة الشباب والقراء, وأصبح بعض علماء تطوير الذات نجوما محبوبين ومشهورين .
فهل كل من أمسك بكتاب تطوير الذات أو بحث على شبكة الإنترنت قد طور ذاته أو قد نجح فعلا في الوصول إلى التغيير ؟
وما مدى انتشار ذلك العلم وتلك الأبحاث في الوصول إلى غاية ملموسة ؟
لا أتحدث عن جدوى هذا العلم وإنما أقصد أن قراءة كتاب بكل خطواته المرتبة للتطوير الفعلي للذات ربما لن يجدي مثل إفادته من صدمة قد تغير مسار حياته أو كلمة توقظ مشاعره وتجعلها تتوهج وتقفز نحو إتجاه آخر , أومثل صدمة زوال نعمة فالفقد يجعل الإنسان يسعى إلى تغيير مفروض عليه نتيجة للحرمان من تلك النعمة
قد تهبنا الطبيعة خطوات أجدى نفعا لبناء الذات
وقد تغيرنا الأقدار فتبني الإنسان من جديد ويولد شخصا آخر غير الذي كان
قصة الإمام الطحاوي
الإمام الطحاوي عالم جليل من علماء الأمة سعى إلى تطوير الذات ووصل إلى أعلى طموح رسمه لنفسه
والدافع هنا كان كلمة محبطة أو صدمة تفيق السامع
عندما قال له خاله الإمام المزني تلك الكلمة وهو جالس بمجلس العلم , عندما فقد خاله فيه الأمل في أن يتفوق في دراسته أو يتقد ذهنه فقال له : ( والله لا نفع منك ولا فائدة )
هذه الكلمات كانت سببا ودافعا للتغيير والبناء
كانت سببا في أن يصبح الإمام الطحاوي عالما من علماء الأمة حتى أنه قال ذاكرا خاله : ( رحم الله المزني لو كان حيا الآن لكفر عن يمينه )
هنا نجد أن الكلمة الصادمة يمكن أن تغير مسار الإنسان للأفضل أو للأسوأ حسب المتلقي وحسب الظروف التي تقع فيها الكلمة وكيف يكون رنينها هل سيكون جرس إنذار يوقظ القلوب والعقول أم سيمر مرورا أخرا ويتخذ منحى سلبيا يسحب النفس إلى فقد طاقة وفقدان أمل
الحياة تهبنا ما نبني به ذواتنا من صدمات وعقبات وإختبارات قاسية ومن فقد وحرمان وظلم نتعلم منها بناء الذات وتؤثر فينا أكثر من الكتب المنظمة أو الدراسات المتشعبة والمبنية على تجارب ناجحة
الفقد والعجز يبني لدينا التشبث بالأمل والسعي وراء تحقيق وترميم الذات , والصدمة تبني أكثر من أن تهدم والمرض قد يقوي ويبني شخصية أقوى
التجربة تمنحك الكثير والكثير من الأفكار والثقافات ومن القوة والصبر والجلد
لا أنكر هنا فوائد الدراسات أو النصائح ولكن أعتقد أنها مهما قيلت فلن تنافس التجربة ولن تنتصر على الصدمة
يولد من رحم الألم ما هو أقوى من الأمل
لكن إذا لم يوضع الإنسان تحت هذا الضغط وبين فكي التجربة وجلس منعما يقرأ خطوات كيف يبني الذات ويطورها فأعتقد أن صدى النصائح والخطوات لن يعدو صدى خلفية الكراسات القديمة التي كانوا يطبعون على غلافها نصائح من أمثال استيقظ مبكرا أو لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .
إلى الباحثين عن تطوير الذات
لا تنتظر التجربة لتعلمك وتصقلك إذا أردت بناء وتطوير ذاتك فاستفد من خبرات الآخر إلى جانب الكتب والدراسات وحاول أن لا تقع بين فكي الرحى ليظهر خير ما فيك , إبحث عن المثالية من خلال التنظيم والاجتهاد والمثابرة والالتزام
ولا تجعل تلك مصطلحات عبثية تتكرر في المقالات والكتب بل جسدها في حياتك على هيئة أسلوب حياة
واجعلها واقعا ملموسا
الشخصيات التي بنت ذاتها وطورتها للأفضل كثيرة جدا عالميا , غير البناء من شخصياتهم وعبر بها حدود المعقول فالتطوير يأخذ الذات البشرية من قاع المجتمع السحيق ويسعى بها إلى أن تكون من صفوة النخبة في شتي المجالات
الذات شجرة أروها بالأخلاق وقوها بثبات المبادئ والقيم وجملها بالعطاء والمنح لأن العطاء كثمرة الشجرة المورقة يوهب للجميع دون استثناء .
اجعل الهمة أعلى من السحاب ولا تقنع أبدا بالقليل من الخير والجمال وابحث عن المعالي أعلى قمم الجبال فالذات لن تبني بغير الهمة والعمل والمثابرة والصبر
قال الشاعر : إذا ناضلت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
وقال أيضا :
لا تحسبن المجد تمرا انت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال : وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
تطوير الذات لن يكون بكتاب تقرأه إلا إذا فهمت واستوعبت ثم قمت وسعيت بكل همتك وطاقتك إلى مرحلة التنفيذ التي لن تبلغها إلا بالبذل والجهد والعمل وإتعاب الجسم من أجل الوصول إلى الهدف .
جرب ولا تخف أبدا وكن جريئا في الإقبال على كل جديد وتكرار المحاولات دون فقدان للهمة أو الأمل
وتذكر دوما مقولة الدكتور إبراهيم الفقي الشهيرة :
” جرب ولا تخف فالذين صنعوا سفينة نوح كانوا من الهواة أما المحترفون فهم الذين صنعوا تيتانيك “
إلي كل الباحثين عن تطوير الذات لا تكتفي بتصفح الكتاب ولكن اقرأ وجرب و اركب سفينة نوح .